كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال أبو بكر القاضي وغيره: لا يجزىء لأنه عابث، وإلى هذا ذهب الشافعي وسائر أصحابه، وبه يقول أحمد بن حنبل وأبو عُبيد القاسم بن سلام وإسحاق وأبو ثور، وإليه ذهب أبو مُصْعَب صاحب مالك وذكره في مختصره، وحكاه عن أهل المدينة ومالك معهم في أن من قدّم في الوضوء يديه على وجهه، ولم يتوضأ على ترتيب الآية فعليه الإعادة لما صلّى بذلك الوُضوء.
وذهب مالك في أكثر الروايات عنه وأشهرها أن «الواو» لا توجب التّعقيب ولا تُعطي رتبة، وبذلك قال أصحابه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثَّوري والأوزاعي والليث بن سعد والمُزني وداود بن علي؛ قال الكِيَا الطَّبَري ظاهر قوله تعالى: {فاغسلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} يقتضي الإجزاء فرَّق أو جَمَع أو وَالَى على ما هو الصحيح من مذهب الشافعي، وهو مذهب الأكثرين من العلماء.
قال أبو عمرو: إلاّ أنّ مالكا يَستحبّ له استئناف الوُضوء على النَّسق لمَا يُستقبل من الصلاة ولا يَرى ذلك واجبًا عليه؛ هذا تحصيل مذهبه.
وقد رَوى علي بن زياد عن مالك قال: من غَسل ذراعيه ثم وجهه ثم ذكر مكانه أعاد غَسل ذراعيه، وإن لم يَذكر حتى صّلى أعاد الوُضوء والصلاة؛ قال عليٌّ ثم قال بعد ذلك: لا يعيد الصلاة ويعيد الوضوء لما يُستأنف.
وسبب الخلاف ما قال بعضهم: إنّ «الفاء» توجب التعقيب في قوله: {فَاغْسِلُوا} فإنها لما كانت جوابًا للشرط ربطت المشروط به؛ فاقتضت الترتيب في الجميع؛ وأجيب بأنه إنما اقتضت البداءة في الوجه إذ هو جزاء الشرط وجوابه، وإنما كانت تقتضي الترتيب في الجميع لو كان جواب الشرط معنى واحدًا، فإذا كانت جُملًا كلّها جوابًا لم تبال بأيها بدأت.
إذ المطلوب تحصيلها.
قيل: إنّ الترتيب إنما جاء من قبِل الواو؛ وليس كذلك لأنك تقول: تقاتل زيد وعمرو، وتخاصم بكر وخالد، فدخولها في باب المفاعلة يخرجها عن الترتيب.
والصحيح أن يقال: إنّ الترتيب متلقى من وجوه أربعة: الأوّل أن يبدأ بما بدأ الله به كما قال عليه الصلاة والسلام حين حج: «نبدأ بما بدأ الله به» الثاني من إجماع السلف فإنهم كانوا يرتبون.
الثالث من تشبيه الوضوء بالصلاة.
الرابع من مواظبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك.
احتج من أجاز ذلك بالإجماع على أن لا ترتيب في غَسل أعضاء الجنابة، فكذلك غَسل أعضاء الوضوء؛ لأنّ المعنى في ذلك الغَسل لا التبدية.
وروي عن علي أنه قال: ما أبالي إذا أتممت وضوئي بأي أعضائي بدأتُ.
وعن عبد الله بن مسعود قال: لا بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك؛ قال الدّارقطني: هذا مُرسَل ولا يثبت، والأولى وجوب الترتيب.
والله أعلم.
الثامنة عشرة إذا كان في الاشتغال بالوضوء فوات الوقت لم يتيمم عند أكثر العلماء، ومالك يجوّز التّيمم في مثل ذلك؛ لأنّ التّيمم إنما جاء في الأصل لحفظ وقت الصلاة، ولولا ذلك لوجب تأخير الصلاة إلى حين وجود الماء.
احتج الجمهور بقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ} وهذا واجد، فقد عدم شرط صحة التيمم فلا يتيمم.
التاسعة عشرة وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن إزالة النجاسة ليست بواجبة؛ لأنه قال: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة} ولم يذكر الاستنجاء وذكر الوضوء، فلو كانت إزالتها واجبة لكانت أوَّل مبدوء به؛ وهو قول أصحاب أبي حنيفة، وهي رواية أشهب عن مالك.
وقال ابن وهب عن مالك: إزالتها واجبة في الذكر والنسيان؛ وهو قول الشافعي.
وقال ابن القاسم: تجب إزالتها مع الذكر، وتسقط مع النسيان.
وقال أبو حنيفة: تجب إزالة النجاسة إذا زادت على قدر الدرهم البغلي يريد الكبير الذي هو على هيئة المثقال قياسًا على فم المخرج المعتاد الذي عفي عنه.
والصحيح رواية ابن وهب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في صاحبي القبْرين: «إنهما ليُعذَّبان وما يُعذَّبان في كبير أمّا أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستبرىء من بوله» ولا يعذَّب إلا على ترك الواجب؛ ولا حجة في ظاهر القرآن؛ لأن الله سبحانه وتعالى إنما بيّن من آية الوضوء صفة الوضوء خاصة، ولم يتعرّض لإزالة النجاسة ولا غيرها.
الموفية عشرين ودلت الآية أيضًا على المسح على الخفين كما بيّنا، ولمالك في ذلك ثلاث روايات: الإنكار مطلقًا كما يقوله الخوارج، وهذه الرواية منكرة وليست بصحيحة.
وقد تقدّم.
الثانية يمسح في السفر دون الحضر؛ لأن أكثر الأحاديث بالمسح إنما هي في السفر؛ وحديث السَّبَاطة يدل على جواز المسح في الحضر، أخرجه مسلم من حديث «حُذَيفة قال: فلقد رأيتُني أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نتماشى؛ فأتى سُبَاطة قوم خلف حائط، فقام كما يقوم أحدكم فبال فانتبذت منه، فأشار إلي فجئت فقمت عند عقِبه حتى فرغ زاد في رواية فتوضأ ومسح على خفيه» ومثله حديث شُرَيح بن هانىء قال: أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين فقالت: عليك بابن أبي طالب فَسَلْه؛ فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فسألناه فقال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر ثلاثة أيام ولياليهنّ وللمقيم يومًا وليلة؛ وهي الرواية الثالثة يمسح حضرًا وسفرًا؛ وقد تقدّم ذكرها.
الحادية والعشرون ويمسح المسافر عند مالك على الخفين بغير توقيت، وهو قول الليث بن سعد؛ قال ابن وهب سمعت مالكًا يقول: ليس عند أهل بلدنا في ذلك وقت.
وروى أبو داود من حديث أبيّ بن عمارة أنه قال: يا رسول الله أمسح على الخفين؟ قال: «نعم» قال: يومًا؟ قال: «يومًا» قال: ويومين؟ قال: «ويومين» قال: وثلاثة أيام؟ قال: «نعم وما شئت» في رواية «نعم وما بدا لك» قال أبو داود: وقد اختلف في إسناده وليس بالقويّ.
وقال الشافعي وأحمد بن حنبل والنعمان والطبريّ: يمسح المقيم يومًا وليلة، والمسافر ثلاثة أيام على حديث شُرَيْح وما كان مثله؛ ورُوي عن مالك في رسالته إلى هارون أو بعض الخلفاء، وأنكرها أصحابه.
الثانية والعشرون والمسح عند جميعهم لمن لبس خفيه على وضوء؛ لحديث المغيرة بن شُعْبة أنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في مسير الحديث وفيه؛ فأهويتُ لأَنْزِع خفيه فقال: «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين» ومسح عليهما.
ورأى أَصْبَغ أن هذه طهارة التيمم، وهذا بناء منه على أن التيمم يرفع الحَدَث.
وشذّ داود فقال: المراد بالطهارة هاهنا هي الطهارة من النجس فقط؛ فإذا كانت رجلاه طاهرتين من النجاسة جاز المسح على الخفين.
وسبب الخلاف الاشتراك في اسم الطهارة.
الثالثة والعشرون ويجوز عند مالك المسح على الخف وإن كان فيه خَرْق يسير: قال ابن خُوَيْزِمَنْدَاد؛ معناه أن يكون الخَرْق لا يمنع من الانتفاع به ومن لُبْسه، ويكون مثله يُمشى فيه.
وبمثل قول مالك هذا قال الليث والثوريّ والشافعيّ والطبريّ؛ وقد روي عن الثوريّ والطبريّ إجازة المسح على الخف المخرَّق جملة.
وقال الأوزاعيّ: يمسح على الخف وعلى ما ظهر من القدم؛ وهو قول الطبريّ.
وقال أبو حنيفة: إذا كان ما ظهر من الرجل أقل من ثلاث أصابع مسح، ولا يمسح إذا ظهر ثلاث؛ وهذا تحديد يحتاج إلى توقيف.
ومعلوم أن أخفاف الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم من التابعين كانت لا تسلم من الخَرْق اليسير، وذلك متجاوز عند الجمهور منهم.
ورُوي عن الشافعيّ إذا كان الخَرْق في مقدّم الرجل أنه لا يجوز المسح عليه.
وقال الحسن بن حيّ: يمسح على الخف إذا كان ما ظهر منه يغطيه الجَوْرب، فإن ظهر شيء من القدم لم يمسح؛ قال أبو عمر؛ هذا على مذهبه في المسح على الجَوْربين إذا كانا ثخينين؛ وهو قول الثوري وأبي يوسف ومحمد وهي:
الرابعة والعشرون ولا يجوز المسح على الجَوْربين عند أبي حنيفة والشافعيّ إلاَّ أن يكونا مجلدين؛ وهو أحد قولي مالك.
وله قول آخر أنه لا يجوز المسح على الجَوْربين وإن كانا مجلدين.
وفي كتاب أبي داود عن المغِيرة بن شُعْبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجَوْربين والنعلين؛ قال أبو داود: وكان عبد الرحمن بن مهديّ لا يحدّث بهذا الحديث؛ لأنّ المعروف عن المغيرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين؛ ورُوي هذا الحديث عن أبي موسى الأشعريّ عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس بالقويّ ولا بالمتصل.
قال أبو داود: ومسح على الجَوْربين عليّ بن أبي طالب وأبو مسعود والبَرَاء بن عازِب وأَنَس بن مالك وأبو أُمامة وسهل بن سعد وعمرو بن حُرَيث؛ ورُوي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس؛ رضي الله عنهم أجمعين.
قلت: وأما المسح على النعلين فروى أبو محمد الدّارِميّ في مسنده حدّثنا أبو نعيم أخبرنا يونس عن أبي إسحاق عن عبد خيرٍ قال: رأيت علِيًا توضأ ومسح على النعلين فوسَّع ثم قال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت لرأيت أنّ باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما؛ قال أبو محمد الدّارميّ رحمه الله: هذا الحديث منسوخ بقوله تعالى: {وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكعبين}.
قلت: وقول عليّ رضي الله عنه لرأيت أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما مثله قال في المسح على الخفين، أخرجه أبو داود عنه قال: لو كان الدِّين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه.
قال مالك والشافعي فيمن مسح ظهور خفيه دون بطونهما: إن ذلك يجزئه؛ إلاَّ أن مالكًا قال: من فعل ذلك أعاد في الوقت؛ ومن مسح على باطن الخفين دون ظاهرهما لم يجزه، وكان عليه الإعادة في الوقت وبعده؛ وكذلك قال جميع أصحاب مالك إلاَّ شيء روي عن أشهب أنه قال: باطن الخفين وظاهرهما سواء، ومن مسح باطنهما دون ظاهرهما لم يُعد إلاَّ في الوقت.
ورُوي عن الشافعي أنه قال يجزئه مسح بطونهما دون ظهورهما؛ والمشهور من مذهبه أنه من مسح بطونهما واقتصر عليهما لم يجزه وليس بماسح.
وقال أبو حنيفة والثوري: يمسح ظاهري الخفين دون باطنهما؛ وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق وجماعة، والمختار عند مالك والشافعيّ وأصحابهما مسح الأعلى والأسفل، وهو قول ابن عمر وابن شهاب؛ لما رواه أبو داود والدّارقطنيّ عن المُغيرة بن شُعْبة قال: وضأت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تَبُوك فمسح أعلى الخف وأسفله؛ قال أبو داود: روي أن ثورًا لم يسمع هذا الحديث من رجاء بن حَيْوة.
الخامسة والعشرون واختلفوا فيمن نزع خفيه وقد مسح عليهما على أقوال ثلاثة: الأوّل يغسل رجليه مكانه وإن أخر استأنف الوضوء؛ قاله مالك والليث، وكذلك قال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما؛ ورُوي عن الأوزاعيّ والنَّخَعيّ ولم يذكروا مكانه.
الثاني يستأنف الوضوء؛ قاله الحسن بن حيّ، وروي عن الأوزاعيّ والنَّخَعيّ.
الثالث ليس عليه شيء ويصلّي كما هو؛ قاله ابن أبي ليلى والحسن البصري، وهي رواية عن إبراهيم النَّخَعيّ رضي الله عنهم.